الخميس، 4 يونيو 2009

الشفــاعة ( اقتباس من كتاب الشفاعة : أقسامها ، شرطها ، أسبابها ، شبهات / تأليف محمد بن عبدالله الهبدان )

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ساتر المعائب ، وغافر الشوائب ، وراحم التائب ، وموقف الطالب ، وماتع الحاضر والغائب ، رافع السماء ومزينها بزينة الكواكب ،ومدبر حركات سيرها في الطوالع والغوارب ، وساطح الأرض على الماء باختلاف المسالك والمذاهب ، ومودعها بحكمة لطائف الحِكم وغرائب العجائب ، وأصلى وأسلم على سيدنا محمد المخصوص بأرفع المنازل وأشرف المناصب ، صلاة دائمة ما لمع نجم طالع وخفي بسير غارب أما بعد:
فهذا بحث ؛ يسيرةٌ أوراقه ، قيمة ثمراته ، يعالج قضية حساسة ، يدندن حولها عباد القبور ، في كل زمان ومكان ،وهي مسألة الشفاعة ، فأحببت أن أكتب نبذة فيها لينتفع بها من شاء الانتفاع ، ويحوز خيرها من رغب الاستطلاع ، وحاولت جاهدا عدم الإكثار في نقل كلام العلماء الأبرار ؛ لأن الغاية هي إيصال فكرة عامة لإخواني الأخيار ،وأخذ تصور عام عن أبعاد هذه المسألة التي ضل فيها الكفار ، وتعلق بها أصحاب البدع الأشرار ، ثم من رغب في الزيادة فليرجع إلى المراجع التي أحلتها في الهوامش فسيجد فيها بغيته وزيادة ، والله أسأل أن ينفع بها كاتبها وقارئها ومن ساهم في نشرها وأن يجعلها خالصة لوجهه ، موجبة للفوز بجنته إنه سميع مجيب والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه
محمد بن عبدالله الهبدان

أولاً : تعريف الشفاعة
* لغــة: مصدر من الشفع ضد الوتر
* اصطلاحاً: التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة .([1])
مثال جلب المنفعة : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة بدخولها .
مثال دفع المضرة : شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لمن استحق النار أن لا يدخلها .
الألفاظ المرادفة للشفاعة : الوسيلة ، والطلب .
``
ثانياً : أركان الشفاعة :
1- الشافع . 2- المشفوع له .
3- المشفوع عنده . 4- المشفوع فيه ( موضوع الشفاعة )
``
ثالثاً: شرط قبول الشفاعة في المشفوع له

: أن يكون من أهل التوحيد ، لحديث أبي هريرة قلت : يا رسول الله : من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال : ( من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه )[2].([3])
``
رابعاً : أقسام الشفاعة : تنقسم إلى قسمين :
القسم الأول : شفاعة منفية : وهي التي تطلب من غير الله ، فيما لا يقدر عليه إلا الله .وهي التي عناها القرآن بقوله : ((فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) ( المدثر : 48) . ([4])

القسم الثاني : شفاعة مثبتة : وهي التي تطلب من الله تعالى . وهي ما توفرت فيها الشروط التالية :
` شروط الشفاعة المثبتة :
1- إذن الله للشافع أن يشفع : قال تعالى: ((مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ)) ( البقرة : 255) .
2- أن يرضى الله عن الشافع : قال تعالى: ((وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى ))
3- رضى الله عن المشفوع له : قال تعالى: ((وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )) ( الأنبياء : 28) .([5])
` والشفاعة المثبتة تقسم إلى قسمين :
القسم الأول : شفاعة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وهي على عدة أنواع :([6])
* الشفاعة العظمى لفصل القضاء : لما جاء في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، منها حديث أبي هريرة وفيه : ( فيأتون ، فيقولون : يا محمد ، أنت رسول الله ، وخاتم الأنبياء ، غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ، فاشفع لنا إلى ربك ، ألا ترى ما نحن فيه ؟ ألا ترى ما قد بلغنا ؟ فأقوم فآتي تحت العرش ، فأقع ساجداً لربي عز وجل ، ثم يفتح الله عليّ ، ويلهمني من محامده ، وحسن الثناء ليه ما لم يفتحه على أحد قبلي ، فيقال : يا محمد ارفع رأسك ، سل تعطه ، اشفع تشفع ، فأقول : يا رب أمتي أمتي ، فيقال ك أدخل من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة ، وهم شركاء الناس فيما سواه من الأبواب ) الحديث .
* الشفاعة في استفتاح باب الجنة لأهلها: ما رواه مسلم عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ فَأَقُولُ : مُحَمَّدٌ ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ )([7]) .
* شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في تخفيف العذاب عن عمه أبي طالب : لما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذُكِرَ عِنْدَهُ عَمُّهُ أَبُو طَالِبٍ فَقَالَ: ( لَعَلَّهُ تَنْفَعُهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُجْعَلُ فِي ضَحْضَاحٍ([8]) مِنْ نَارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ )([9]) .
قال القرطبي في التذكرة بعد ذكر هذا النوع : فإن قيل : فقد قال تعالى : ((فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) ( المدثر : 48) ؟
قيل له : لا تنفعه في الخروج من النار كما تنفع عصاة الموحدين الذين يخرجون منها ويدخلون الجنة .([10])
القسم الثاني : شفاعة عامة لجميع من يرضى الله تعالى له بالشفاعة أن يشفع ، وهي على عدة أنواع :
* الشفاعة في أهل الكبائر من الموحدين : والأحاديث الدالة على خروج الموحدين من النار متواترة فمنها : ما رواه البخاري وغيره من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( يَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ بُرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ وَيَخْرُجُ مِنْ النَّارِ مَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْر)([11]) وما رواه الترمذي وغيره عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( شَفَاعَتِي لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أُمَّتِي )([12])
* الشفاعة في رفع درجات المؤمنين : وهذه تأخذ من دعاء المؤمنين بعضهم لبعض كما قال صلى الله عليه وسلم في أبي سلمة رضي الله عنه : (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِأَبِي سَلَمَةَ وَارْفَعْ دَرَجَتَهُ فِي الْمَهْدِيِّينَ وَاخْلُفْهُ فِي عَقِبِهِ فِي الْغَابِرِينَ وَاغْفِرْ لَنَا وَلَهُ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ وَافْسَحْ لَهُ فِي قَبْرِهِ وَنَوِّرْ لَهُ فِيهِ ) ([13])
* الشفاعة في أقوام قد أُمر بهم أن يدخلوا النار أن لا يدخلوها : وقد يستدل لها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : (مَا مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَقُومُ عَلَى جَنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُونَ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلَّا شَفَّعَهُمْ اللَّهُ فِيهِ )[14]. وذكر ابن كثير في كتاب النهاية حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أمر بقوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار ، قال : فيقولون : يا محمد ننشدك الشفاعة ، قال : فآمر الملائكة أن يقفوا بهم ، قال : فأنطلق واستأذن على الرب عز وجل فيأذن لي فأسجد وأقول : يا رب قوم من أمتي قد أمر بهم إلى النار ، قال : فيقول لي : انطلق فأخرج منهم قال : فانطلق وأخرج منهم من شاء الله أن أخرج ..) الحديث [15]. ([16])


خامساً : أقسام الناس في الشفاعة ([17]):
انقسم الناس في الشفاعة على أقسام :
القسم الأول : المشركون والنصارى والمبتدعون من الغلاة في المشايخ وغيرهم : يجعلون شفاعة من يعظمونه عند الله كالشفاعة في الدنيا .
القسم الثاني : المعتزلة والخوارج أنكروا شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وغيره في أهل الكبائر .
القسم الثالث : أهل السنة والجماعة أقروا بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر ،وشفاعة غيره ، لكن لا يشفع أحد حتى تتحقق شروط الشفاعة السابقة .
``
سادساً : شفاعة غير الأنبياء :
1 ، 2ـ الملائكة ، المؤمنون : روى مسلم في صحيحه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا قال : ( فيقول الله تعالى : شفعت الملائكة ، وشفع النبيون ، وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ، فيقبض قبضة من النار ، فيخرج منها قوما لم يعملوا خيرا قط ) الحديث([18]) .
3ـ الأفراط وهم الأطفال الصغار : روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما من الناس من مسلم يتوفى له ثلاث لم يبلغن الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم )) ([19])
4 ـ الشهداء في سبيل الله : روى الترمذي وغيره عن الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( لِلشَّهِيدِ عِنْدَ اللَّهِ سِتُّ خِصَالٍ : يُغْفَرُ لَهُ فِي أَوَّلِ دَفْعَةٍ ، وَيَرَى مَقْعَدَهُ مِنْ الْجَنَّةِ ، وَيُجَارُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ، وَيَأْمَنُ مِنْ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ ، وَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ تَاجُ الْوَقَارِ الْيَاقُوتَةُ مِنْهَا خَيْرٌ مِنْ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ، وَيُزَوَّجُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ زَوْجَةً مِنْ الْحُورِ الْعِينِ، وَيُشَفَّعُ فِي سَبْعِينَ مِنْ أَقَارِبِهِ )([20])
``
سابعاً : حكم طلب الشفاعة من الحي الحاضر :
طلب الشفاعة من الحي الحاضر على قسمين :
القسم الأول : إن كان مما يقدر عليه فهي على نوعين :
1 ـ إن كان المطلوب أمرا حسنا فهي مشروعة : لقوله تعالى :((مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا )) (النساء : 85) .
وجاء في الصحيحين من حديث أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( اشفعوا تؤجروا )) .
مثالها : شفاعة النبي لزوج بريرة بأن ترجع إليه : روى البخاري في صحيحه عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ زَوْجَ بَرِيرَةَ كَانَ عَبْدًا يُقَالُ لَهُ مُغِيثٌ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ يَطُوفُ خَلْفَهَا يَبْكِي وَدُمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى لِحْيَتِهِ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لِعبَّاسٍ يَا عَبَّاسُ أَلَا تَعْجَبُ مِنْ حُبِّ مُغِيثٍ بَرِيرَةَ وَمِنْ بُغْضِ بَرِيرَةَ مُغِيثًا فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : ( لَوْ رَاجَعْتِهِ ) قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ : تَأْمُرُنِي ؟ قَالَ : (( إِنَّمَا أَنَا أَشْفَعُ )) قَالَتْ : لَا حَاجَةَ لِي فِيهِ ([21]).
2- إن كان المطلوب أمرا سيئاً فهي محرمة:لقوله تعالى: ((وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا )) ( النساء : 85) .
مثاله : شفاعة أسامة بن زيد للمرأة المخزومية : روى البخاري في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا : وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ( أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ )، ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ : ( إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)([22])
القسم الثاني : إن كان مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى : فهذا من الشرك الأكبر وهذا ما يفعله المشركون الأولون والآخرون كما قال تعالى : ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ))( الزمر : 3) .
أي ما نعبد تلك الآلهة مع الله إلا لتشفع لنا عند الله ، وتقربنا عنده منـزلة ، فكفروا بذلك ؛ لأن الشفاعة لله وحده قال تعالى (( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً )) ( الزمر : 44) .


ثامناً : من أسباب الشفاعة
1- التوحيد الخالص : روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَاذَا رَدَّ إِلَيْكَ رَبُّكَ عَزَّ وَجَلَّ فِي الشَّفَاعَةِ ؟ قَالَ : ( لَقَدْ ظَنَنْتُ لَتَكُونَنَّ أَوَّلَ مَنْ سَأَلَنِي مِمَّا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الْعِلْمِ ، شَفَاعَتِي لِمَنْ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ مُخْلِصًا يُصَدِّقُ قَلْبُهُ لِسَانَهُ وَلِسَانُهُ قَلْبَهُ ) فأسعد الناس بشفاعته صلى الله عليه وسلم أكملهم إخلاصا لله رب العالمين . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( سبب الشفاعة توحيد الله وإخلاص الدين والعبادة بجميع أنواعها له فكل من كان أعظم إخلاصا كان أحق بالشفاعة ، فإن الشفاعة مبدؤها من الله ، وعلى الله تمامها ، فلا يشفع أحد إلا بإذنه ،وهو الذي يأذن للشافع ، وهو الذي يقبل في المشفوع له )([23])
2- القرآن الكريم : روى مسلم في صحيحه من حديث أَبُي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ قَالَ مُعَاوِيَةُ بَلَغَنِي أَنَّ الْبَطَلَةَ السَّحَرَةُ )([24])
- ومن ذلك : سورة تبارك : روى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثُونَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ سُورَةُ ( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) ([25])
3- الـصيام : روى الإمام أحمد في المسند عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ ) ([26])
4- سكنى المدينة والموت بها : روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي سَعِيدٍ مَوْلَى الْمَهْرِيِّ أَنَّهُ جَاءَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ لَيَالِي الْحَرَّةِ فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجَلَاءِ مِنْ الْمَدِينَةِ وَشَكَا إِلَيْهِ أَسْعَارَهَا وَكَثْرَةَ عِيَالِهِ وَأَخْبَرَهُ أَنْ لَا صَبْرَ لَهُ عَلَى جَهْدِ الْمَدِينَةِ وَلَأْوَائِهَا فَقَالَ لَهُ وَيْحَكَ لَا آمُرُكَ بِذَلِكَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( لَا يَصْبِرُ أَحَدٌ عَلَى لَأْوَائِهَا فَيَمُوتَ إِلَّا كُنْتُ لَهُ شَفِيعًا أَوْ شَهِيدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا كَانَ مُسْلِمًا ) ([27])
5- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وطلب الوسيلة له : روى مسلم في صحيحه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: ( إِذَا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ )([28])
6- أن يصلى عليه مائة من المسلمين : روى مسلم في صحيحه عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : ( مَا مِنْ مَيِّتٍ تُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَبْلُغُونَ مِائَةً كُلُّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُ إِلَّا شُفِّعُوا فِيهِ ) ([29])
7- كثرة الصلاة : روى مسلم في صحيحه عن رَبِيعَة بْن كَعْبٍ الْأَسْلَمِيُّ قَالَ :كُنْتُ أَبِيتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوئِهِ وَحَاجَتِهِ فَقَالَ لِي: سَلْ ! فَقُلْتُ : أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الْجَنَّةِ ، قَالَ أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ! قُلْتُ : هُوَ ذَاكَ قَالَ : ( فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُودِ)([30])

تاسعاً : الذي لا تقبل شفاعته :

روى مسلم في صحيحه عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : ( إِنَّ اللَّعَّانِينَ لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) ([31])
قال النووي في شرح الحديث : ((قوله صلى الله عليه وسلم : (( إنهم لا يكونون شفعاء ولا شهداء )) فمعناه لا يشفعون يوم القيامة حين يشفع المؤمنون في إخوانهم الذين استوجبوا النار , ( ولا شهداء ) فيه ثلاثة أقوال : أصحها وأشهرها لا يكونون شهداء يوم القيامة على الأمم بتبليغ رسلهم إليهم الرسالات , والثاني لا يكونون شهداء في الدنيا أي لا تقبل شهادتهم لفسقهم , والثالث لا يرزقون الشهادة وهي القتل في سبيل الله , وإنما قال صلى الله عليه وسلم : لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا , ولا يكون اللعانون شفعاء بصيغة التكثير , ولم يقل : لاعنا واللاعنون لأن هذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن , لا لمرة ونحوها , ولأنه يخرج منه أيضا اللعن المباح , وهو الذي ورد الشرع به , وهو لعنة الله على الظالمين , لعن الله اليهود والنصارى , لعن الله الواصلة والواشمة , وشارب الخمر وآكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه , والمصورين , ومن انتمى إلى غير أبيه , وتولى غير مواليه , وغير منار الأرض , وغيرهم ممن هو مشهور في الأحاديث الصحيحة .) ([32])

عاشراً : شبهات و الرد عليها
الشبهة الأولى : ما رواه الترمذي من حديث عُثْمَانَ بْنِ حُنَيْفٍ أَنَّ رَجُلًا ضَرِيرَ الْبَصَرِ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ ادْعُ اللَّهَ أَنْ يُعَافِيَنِي قَالَ إِنْ شِئْتَ دَعَوْتُ وَإِنْ شِئْتَ صَبَرْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قَالَ فَادْعُهْ قَالَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيُحْسِنَ وُضُوءَهُ وَيَدْعُوَ بِهَذَا الدُّعَاءِ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ وَأَتَوَجَّهُ إِلَيْكَ بِنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ نَبِيِّ الرَّحْمَةِ إِنِّي تَوَجَّهْتُ بِكَ إِلَى رَبِّي فِي حَاجَتِي هَذِهِ لِتُقْضَى لِيَ اللَّهُمَّ فَشَفِّعْهُ فِيَّ )
والجواب من وجوه :
1 ـ من جهة السند : أن في ثبوت هذا الحديث فيه نظر ، ووجه عدم ثبوته أن الترمذي قد نص على أن أبا جعفر الذي عليه مدار هذا الحديث هو غير الخطمي ، وإذا كان غيره ؛ فهو لا يعرف .
2 ـ من جهة المتن : أن قوله ( أتوجه إليك بنبيك محمد ) المقصود منه دعاء نبيك محمد صلى الله عليه وسلم لأنه في أول الحديث قال : ( إن شئت دعوت الله لك ) وطلب منه أن يدعو أن يستجيب لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم . ([33])
الشبهة الثانية : أن الكفار يريدون ممن يدعونهم المنفعة ودفع المضرة ونحن لا نريد إلا الشفاعة وطلبها منهم ليست شركاً .
الجواب : أن هذا هو قول الكفار سواء بسواء كما قال تعالى : ((وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى )) ( الزمر : 3) .
ويقول الله تعالى :(( وَيَقُولُونَ هَـؤُلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللّهِ )) ( يونس : 8) .
الشبهة الثالثة : أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطي الشفاعة ، ونحن نطلب منه مما أعطاه الله تعالى .
والجواب من وجوه :
1 ـ أن الله تعالى أعطاه نبيه صلى الله عليه وسلم الشفاعة ونهاك عن أن تسأله ذلك فقال تعالى : ((فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً )) ( الجن : 18) .
فإذا كنت تدعو الله تعالى أن يشفع نبيه فيك فأطعه في قوله ((فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً )) .
2 ـ اطلب الشفاعة من الذي أعطاها الرسول صلى الله عليه وسلم وليس من الرسول صلى الله عليه وسلم .قال تعالى (( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً )) ( الزمر : 44).
3 ـ أن الله تعالى أعطى الشفاعة غير النبي صلى الله عليه وسلم فصح أن الملائكة والأولياء والأفراط يشفعون فهل تقول : أن الله تعالى أعطاهم الشفاعة ونحن نسألهم ما أعطاهم الله ؟
فإن قلت هذا : رجعت إلى عبادة الصالحين التي ذكرها الله في كتابه . وإن قلت : لا ، بطل قولك : أعطاه الله الشفاعة وأنا أطلبه مما أعطاه الله .
الشبهة الرابعة : أن الاستشفاع بالأنبياء يجوز لأنكم تقولون إن الاستشفاع بالحي جائز ، والأنبياء أحياء ؛ فنحن نستشفع بأحياء ، فإذا كان الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فالأنبياء من باب أولى .
والجواب :
1 ـ أن الله أخبر أنهم ماتوا وانقطعت أعمالهم ..قال تعالى : ((إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ )) (الزمر : 30) .
والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا مات ابن آدم انقطع عمله …) الحديث فليس له عمل بعد الموت .
2 ـ أنه منعك أن تسألها من غيره ، أما كونهم أحياء فنعم ولكنها حياة برزخية غير هذه الحياة .
الشبهة الخامسة : أن طلب الشفاعة ليست شركا بدليل قصة إبراهيم لما ألقي في النار ، اعترض له جبريل في الهواء فقال : ألك حاجة ؟ فقال : إبراهيم عليه السلام : أما إليك فلا ، فلو كانت الاستغاثة شركاً لم يعرضها جبريل على إبراهيم .
والجواب من وجوه :
1 ـ من جهة السند : هذه الرواية أخرجها ابن جرير في تفسيره (17/45) وفيها ضعف لأن فيها جهالة أصحاب المعتمر بن سليمان التيمي .
2 ـ من جهة المتن : على فرض صحته فإنه لا دلالة على قولهم لأن هذه من الاستغاثة بالحي الحاضر السامع القادر وهذه مباحة ، فجبريل عليه السلام حي قادر عرض على إبراهيم ما يستطيع فعله . ([34]) .
الشبهة السادسة : إذا كان من اتخذ شفيعا عند الله ، إنما قصده تعظيم الرب تعالى وتقدس أن يتوصل إليه إلا بالشفعاء ؟! فلم كان هذا القدر شركاً ؟!
والجواب من وجوه :
1 ـ قصده للتعظيم لا يدل على أن ذلك تعظيم لله تعالى ، فكم من يقصد التعظيم لشخص ينقصه بتعظيمه ، ولهذا قيل في المثل المشهور : يضر الصديق الجاهل ، ولا يضر العدو العاقل .
2 ـ من اتخذ الشفعاء هو بين حالات :
أ ـ إما أن يظن أن الله سبحانه يحتاج إلى من يدبر أمر العالم معه .
ب ـ وإما أن يظن أن الله سبحانه إنما تتم قدرته بقدرة الشفيع .
ج ـ وإما أن يظن أنه لا يعلم حتى يعلمه الشفيع ، أو لا يجيب دعاء عباده حتى يسألوا الشفيع أن يرفع حاجتهم إليه كما هو حال ملوك الدنيا .
د ـ أو يظن أنه لا يسمع حتى يرفع الشفيع إليه ذلك .
هـ ـ أو يظن أن للشفيع عليه حقا ، فهو يقسم عليه بحقه ، ويتوسل إليه بذلك الشفيع كما يتوسل الناس إلى الأكابر والملوك بمن يعز عليهم ، ولا تمكنهم مخالفته.
وكل هذا هضم لحق الربوبية وتنقص للعظمة الإلهية ، وسوء ظن برب العالمين كما قال تعالى :] ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء [ الآية .([35])
الشبهة السابعة : أنا أعلم أنهم لا يشفعون إلا بإذنه لكن أدعوهم ليأذن الله لهم في الشفاعة لي .
والجواب : إن الله تعالى لم يجعل الشرك به ودعاء غيره سبباً لإذنه ورضاه ، بل ذلك سبب لغضبه ، ولهذا نهى عن دعاء غيره في غير آية كقوله :(( وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ )) ( الفتح : 6) ([36]).

الشبهة الثامنة : هل تنكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم والصالحين وتتبرأ منها ؟
فالجواب : لا ننكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ولا شفاعة الصالحين ولا نتبرأ منها ، بل هو صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع ، ونرجو شفاعته صلى الله عليه وسلم ولكن الشفاعة كلها لله تعالى كما قال تعالى: (( قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً )) فبينت الآية أن الشفاعة ملك لله وحده ، وإذا كانت لله تعالى فإنه لا يحق لأي مخلوق أن يشفع مهما كانت مرتبته وعلت منـزلته إلا بعد أن يأذن الله تعالى لمن يشاء ويرضى .([37])
الشبهة التاسعة : وهي لمن أنكر الشفاعة للأهل الكبائر من الموحدين ؛ استدلوا بقول الله تعالى : ((وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ )) ( البقرة : 48) .
وبقوله :(( مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ )) ( غافر : 18) .
وبقوله : ((فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) ( المدثر : 48) .
والجواب من وجوه :
1 ـ أنها لا تنفع المشركين ، كما قال تعالى : (( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ* وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ* وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ* حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ* فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ )) ( المدثر : 42-48)
فهؤلاء لا تنفعهم شفاعة الشافعين لأنهم كانوا كفارا .
2 ـ أنه يراد بذلك الشفاعة التي يثبتها أهل الشرك ومن شابههم من أهل البدع من أهل الكتاب والمسلمين ، الذين يظنون أن للخلق عند الله من القدر أن يشفعوا عنده بغير إذنه ، كما يشفع الناس في بعضهم عند بعض . ([38]) .

الشبهة العاشرة : العبد إذا تعلقت روحه بروح الوجيه المقرب عند الله وتوجه بهمته إليه وعكف بقلبه عليه صار بينه وبينه اتصال يفيض عليه نصيب مما يحصل له من الله ، وشبهوا ذلك بمن يخدم ذا جاه وحظوة وقرب من السلطان وهو شديد التعلق به فما يحصل لذلك من السلطان من الإنعام والافضال ينال ذلك المتعلق به بحسب تعلقه به .
والجواب من وجوه :
1 ـ أن هذا سر عبادة الأصنام ، وهو الذي بعث الله رسله وأنزل كتبه بإبطاله وتكفير أصحابه ، والقرآن من أوله إلى آخره مملوء من الرد على أهله وإبطال مذهبهم ، قال تعالى : ((أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ شُفَعَاء قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لَا يَمْلِكُونَ شَيْئاً وَلَا يَعْقِلُونَ )) (الزمر : 43) .
((قُل لِّلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ )) (الزمر : 44) .
فأخبر أن الشفاعة لمن له ملك السموات والأرض وهو الله وحده ، وهو الذي يشفع بنفسه إلى نفسه ليرحم عبده فيأذن هو لمن يشاء أن يشفع فيه . ([39])
2 ـ هناك فرق بين الشفاعة عند الخالق ولدى المخلوق فمن تلك الفروق :
أ ـ أن الله تعالى هو الذي يحرك الشفيع حتى يشفع بخلاف الشفيع عند المخلوق فالشفيع هو الذي يحرك المشفوع إليه حتى يقبل .
ب ـ أن الشفاعة عند الله لها شروط بخلاف الشفاعة لدى المخلوقين فقد تكون لأسباب خارجية كالمحبة والمصلحة ونحوها .
```
ما قيل في الشفاعة من النظم ([40])

وإن تردْ مسائلَ الشفاعهْ في عقدِ أهلِ الحقِّ والجماعهْ
تصحُّ إن توفرَ الركنانِ الأولُ الإذنُ من الرحمنِ
فانظرهُ في أولِ آي "يونس" وآية الكرسيِّ لا تلتبسِ
وبعدَهُ الرضا فلا تختلطِ دليلهُ في " الأنبياء" فاضبطِ
واجتمعَ الركنانِ ياذا العزمِ في آي "طه" وذا في " النجم "
وإن تسلْ عن عدةِ الأنواعِ فقد أتتْ فاظفرْ بالانتفاعِ
أولُهَا : التي هي المقامً تحمدُهُ لأجلها الأنام
إن طالَ بالخلقِ مقامً الحشرِ يشفعُ في الحسابِ كيما يجري
خُصَّ بها بها من إنسهِ والجنةِ وبعدها : استفتاحه للجنة
فتفتحَ الأبوابُ للدخولِ بعد شفاعةٍ من الرسولِ
وبعدها يُشفعُ الرسولُ في عمهِ أتتْ بذا النقولُ
لم يرضَ عنه ربُّه وإنما تعذيبُه خُفِّفَ في جهنمَ


([1]) انظر : القول المفيد شرح كتاب التوحيد (1/433) .
[2] رواه مسلم
([3]) انظر : مجموع الرسائل والمسائل (4/281) .
([4]) انظر : مجموع الرسائل والمسائل (4/283) .
([5]) انظر : قرة عيون الموحدين ص 97 .
([6]) انظر : إفادة المستفيد للأسمري ص 91 فقد ذكر الأنواع المختلف في خصوصيتها للنبي r .
([7]) رواه مسلم ورقمه (197) .
([8]) الضحضاح : ما رق من الماء على وجه الأرض إلى نحو الكعبين .
([9]) رواه البخاري ورقمه (3885) ومسلم ( 210) .
([10]) التذكرة (1/249) وانظر : فتح الباري (11/431) .
([11]) رواه البخاري ورقمه (44) .
([12]) رواه الترمذي ورقمه (2435) وقَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ .
([13]) رواه مسلم ورقمه (920)
[14] رواه مسلم
[15] رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الأهوال.
([16]) قال الشيخ مقبل الوادعي في كتابه الشفاعة ص111 : " الحديث رجاله رجال الصحيح إلا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة وقد وثقه الدارقطني ، وقال الجعابي : يحدث عن ابن سلمة بعجائب كما في التهذيب والميزان ، ويخشى أيضا من إرساله ، فيحتمل أن يكون عبدالله بن الحارث سمه من أبي هريرة ، ويحتمل أن يكون أرسله والله أعلم .
([17]) انظر : شرح الطحاوية ص 293 .
([18]) قطعة من حديث مطول أخرجه مسلم ورقمه (183) .
([19]) رواه البخاري ورقمه (1248) .
([20]) رواه الترمذي (1663) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
([21]) رواه البخاري ورقمه (5282) .
([22]) رواه البخاري ورقمه (3475) ومسلم ورقمه (1688) .
([23]) مجموع الفتاوى (14/414) .
([24]) رواه مسلم ورقمه (804) .
([25]) رواه الترمذي (2891) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ ، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (2087) .
([26]) صححه الألباني في صحيح الترغيب ورقمه (973)
([27]) رواه مسلم ورقمه (1374) .
([28]) رواه مسلم ورقمه (384) .
([29]) رواه مسلم ورقمه (947) .
([30]) رواه مسلم ورقمه (489) .
([31]) رواه مسلم ورقمه (2598) .
([32]) شرح صحيح مسلم .
([33]) انظر في الرد على هذه الشبهة : صيانة الإنسان ص 125 ، تيسير العزيز الحميد ص 178 ط : دار الفكر .
([34]) انظر : كشف الشبهات .
([35]) انظر : تيسير العزيز الحميد ص 202 . بتصرف .
([36]) انظر : تسير العزيز الحميد ص 206-207 .
([37]) انظر : كشف الشبهات .
([38]) انظر : الإرشاد إلى تصحيح الاعتقاد ص 293-295 للشيخ صالح الفوزان .
([39]) الرسائل والمسائل النجدية (4/280-281) .
([40]) انظر : قلادة الزبرجد في نظم ما يعتقد ابن مقعد ص 111-112 ।

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق